الشيخ المعارض نمر النمر كرر على المنابر ضرورة الالتزام بسلمية التظاهر، وشدّد على نزع أي بُعدٍ مذهبي عن المطالب المحقة لسكان المناطق الشرقية في السعودية، وعلى ضرورة إعطائهم بعضاً من حقوقهم. ولم يتردد يوماً في القول بأن الظلم هو نفسه سواء مورس من قبل الشيعة أو السنة، ومن ناصر ظالماً فما هو إلا بظالم، ولعل خطبته الشهيرة الذي يضع فيها آل سعود وآل خليفة وآل الأسد ومن على شاكلتهم في الخانة نفسها أكبر مثال على ذلك.
كل ذلك لم ينفع.
فبعد اعتقاله منذ سنتين وبعد إطلاق النار عليه (مما تسبب له بإعاقة دائمة في قدمه)، واستمرار محاكمته طوال سنتين، اتهم النمر بتهمتين مفاجئتين: التعرض لقوى الأمن السعودي، والدعوة إلى التظاهر، وحكم عليه بالإعدام تعذيرا.
لكن النقاش هنا لا يخص ظلم الحكم الصادر بحقه، أو العقلية القمعية التي تدار بها السعودية، بل يركز على كيفية التعاطي مع الحالة التي يشكلها النمر نفسه، والتي شاءت الظروف أن يكون شيخاً وشيعياً.
صحيح أن هناك ما يكفي من أسباب لطبع الحراك في المناطق الشرقية من السعودية بطابع مذهبي، أسباب موضوعية تتعلق بالتوزع الديموغرافي لسكان المملكة، وأخرى غير موضوعية ترتبط برغبة السلطة في تكريس «فزاعة» مذهبية في طرف البلاد للتخويف أو لكسب قلوب سكان المملكة ذات الغالبية السنية. وهناك الاستقطاب السعودي الإيراني الذي بات يضاف الى كل الوجبات.. لكن النمر ليس شيخاً فقط وهو ليس شيعياً بالضرورة، وإن كانت العمامة هي أبرز ما يمكن ملاحظته على ذلك الجسد النحيل.
وإذ استطاعت السلطة السعودية تعليب قضية المناطق الشرقية ضمن إطار كونها مؤامرة شيعية وإيرانية بالتحديد (وصلت الشائعات التي روجت لها وسائل الإعلام بأن النمر كان يطالب بولاية الفقيه، وهي كاذبة)، فالأصوات المتضامنة مع النمر والمعارضة للحكم، لم تفعل سوى المساهمة في ترسيخ هذه النظرية. غرقت التحليلات في قراءة «البعد الحقيقي» لقرار الإعدام، بوصفه محاولة سعودية للضغط على إيران.
وهذه نفسها سارعت الى التنديد بالحكم، واعتبرته تصعيداً خطيراً من قبل المملكة، وحذرت من تداعياته على لسان أحد المراجع الدينية. وطغت قضية الحكم بإعدام النمر على كل الاعتقالات والقرارات المشابهة التي تطال عددا كبيرا من الناشطين والمناضلين في السعودية، كأعضاء جمعية «حسم» الحقوقية ـ أمثال سليمان الرشودي (80 عاماً) وعبد الله الحامد (63 عاماً)ـ الذين لا يشاركون النمر في انتمائه المذهبي، وتجرأوا أيضاً على مطالبة الملك عبد الله بن عبد العزيز بتشكيل برلمان منتخب بصلاحيات لمساءلة المسؤولين، فصدر بحقهما (اضافة الى 6 أعضاء آخرين) أحكام تتراوح بين أربع سنوات الى 11 سنة (تهمة تعني الإعدام للرشودي والحامد نظراً إلى كبر سنهما). وكل ما يحصل عليه هؤلاء هو ادانات خجولة من بعض المنظمات الدولية، سرعان ما تتحول الى بيانات متكررة روتينية، من دون «شرف» إدخالهم في الصراعات الكبرى وربط اعتقالهم وتعذيبهم بمناكفات النفوذ بين الدول المتصارعة في المنطقة.
تجرأ النمر على اعلان معارضته لاستئثار آل سعود بالسلطة منذ تأسيس البلاد. وعلى الرغم من أن الشيخ لا يعتد بعمامته لتبرير مطالباته، فقد اختصرت صفته الدينية القضية برمتها، ونزعت عنه صفة المطالب بحقوق طبيعية، لتصبح حقوقا مذهبية، وحصر خبر الحكم بالاعدام عليه بصيغة: «الشيخ الشيعي السعودي نمر النمر»...
[ هذا المقال نشر في السفير العربي بتاريخ 22 تشرين أول/أكتوبر 2014. واعادة الصحيفة نشره بعد اعدام نمر النمر. وينشر هنا ضمن اتفاقية شراكة وتعاون بين "جدلية" و"السفير العربي"]